تونس من 1945 الى 1956 المسيرة نحو الاستقلال
ادت الحرب العالمية الثانية الى تحولات جذرية بالدول الاستعمارية و المستعمرات اذ خلفت ظرفية جديدة دفعت الحركة الوطنية نحو التلاحم و التكتل حول مطلب الاستقلال
فما هي مظاهر ازمة النظام الاستعماري و تحولات المجتمع التونسي اثر الحرب و ماهي ملامح تظافر القوى الوطنية ضد الاستعمار و كيف كانت المسيرة نحو الاستقلال
1_ازمة النظام الاستعماري و تفاقم التناقضات الاقتصادية و الاجتماعية
__ازمة النظام الاستعماري
تمثلت في هزيمة فرنسا امام المانيا اثناء الحرب و تراجع نفوذها و هيبتها في مستعمراتها بالاضافة الى الضغوطات الدولية (العملاقان الامم المتجدة الجامعة العربية مؤتمر باندونغ ) لدفعها منح مستعمراتها استقلالها و كذلك ضغوطات داخلية من الاوساط الليبيرالية و خاصة الاشتراكية التي طالبت الحكومة الفرنسية باعتماد سياسة تحررية داخل مستعمراتها و نتيجة لذلك عدلت فرنسا من سياستها بالمستعمرات بعقد ندوة برازافيل 1944 حيث طرحت مشروع الاتحاد الفرنسي و هو مشروع اندماجي يقر بالسيادة المزدوجة على المستعمرات و هو ما رفضه الوطنيون كما حاولت فرنسا اعتماد سياسة اللف و الدوران و المماطلة باعلان المقيمين العامين الجنرال ماست في سبتمبر 1945 و المقيم العام مونص في جويلية 1947 عن اصلاحات شكلية عارضها الوطنيون لانها تبقى النفوذ الحقيقي بيد الفرنسيين
تفاقم الازمة الاقتصادية و الاجتماعية
الازمة الاقتصادية
تمثلت في ازمة اقتصادية تقليدية حيث تعاقبت سنوات الجفاف(1945 1948 1950 1955) بالاضافة الى زحف الجراد (1946 1947)فتراجع الانتاج الفلاحي كما تراجعت الصتدرات التونسية من الخمور بسبب السياسة الحمائية الفرنسية كما تراجع انتاج الفسفاط بسبب المنافسة الاجنبية و اختل الميزان التجاري الذي بلغت قيمة عجزه 12 مليار فرنك سنة 1947و تفاقمت المديونية
الازمة الاجتماعية
تمثلت في انهيار القدرة الشرائية و اثقال كاهل السكان بالضرائب و انتشار البطالة (200 الف عاطل سنة 1956 ) و تفاقم النزوح خاصة نحو العاصمة و البؤس فنمت الاحياء القصديرية و احتدت الفوارق بين الاهالي و المعمرين كل ذلك ساهم في تنامي الوعي الوطني
_تحولات المجتمع التونسي
تمثلت في تزايد النمو الديمفرافي من 1,9 بالمائة الى 2,2 بالمائة بين 1936 و 1956 و هو ما يعني فتوة المجتمع اذ ان 52 بالمائة من السكان هم دون ال20 سنة و بفضل هذه الحيوية تمكن التونسيين من اقتحام ميادين جديدة كانت حكرا على الفرنسيين مثل الطب المحاماة البنوكو اصبحوا يشكلون العمود الفقري لجل التنظيمات الوطنية كما تطور تعليم التونسيين و ارتفعت نسبة المسجلين بالتعليم الثانوي من 19 بالمائة الى 60 بالمئة بين سنة 1945 وسنة 1954
و تعززت القوى الوطنية بتعزيز الاتحاد النسائي الاسلامي سنة 1947 بقيادة بشيرة بن مراد لدفع المراة الى المساهمة في الكفاح التحريري
و ساهمت بقسة المنظمات الوطنية في تاطير نضالات الاهالي مثل الاتحاد العام التونسي للشغل و الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الاتحاد العام للفلاحة التونسية كما برزت بوادر نهضة ثقافية بتطور عدد الصحف بظهور 80 صحيفة و مجلة جديدة الحرب مثل صحيفة الحرية و الارادة و مجلة الثريا و نخبة من المثقفين شرعوا في بناء ثقافة وطنية متجذرة في تراثها العربي الاسلامي مثل محمود المسعدي و احمد خير الدين و الفاضل بن عاشور و علي بلهوان كما برزت عديد الجمعيات مثل صوت الطالب الزيتوني 1949و الاتحاد العام لطلبة تونس 1953
----ساهمت هذه التحولات في مزيد نشر الوعي الوطني ---
2_تضافر القوى الوطنية ضد الاستعمار
__التلاحم بين النضال السياسي و النضال الاجتماعي
على المستوى الداخلي
استعاد الحزب القديم حيويته رغم تقلص عدد منخرطيه (100 شعبة و 7000 منخرط سنة 1950) اما الحزب الجديد فقد برهن على قدرة فائقة على الصمود رغم القمع الشديد الذي تعرض له منذ احداث افريل 1938 و احكم تنظيم هياكله و اصدر صحف جديدة مثل صحيفتي الحرية و الرسالة سنة 1948 ووسع قاعدة منخرطيه( 400 شعبة و 210 الاف منخرط سنة 1950) كما قام بالدعوة الى عقد مؤتمر ليلة القدر في 23اوت 1946 و الذي جمع كل القوى الوطنية و قد ساهمت بقية المنظمات الوطنية و على راسها الاتحاد العام التونسي للشغل في النضال الوطني من خلال قرار الاضراب العام يوم 4 اوت 1947 و الذي واجهته سلط الاحتلال بالقمع
__على المستوى الخارجي
اثر تاسيس الجامعة العربية سنة1945 التحق الحبيب بورقيبة بالقاهرة و تولى الكتابة العامة لمكتب المغرب العربي الذي اسس في فيفري 1947 للتعريف بالقضية الوطنية في المشرق كما سافر الى الولايات المتحدة الامريكية اواخر سنة 1946 و في صائفة 1951 للتعريف بالقضية الوطنية لدى منظمة الامم المتحدة و تمكن الحزب الجديد من فتح مكاتب له بالعراق و الهند و اندونيسيا للتعريف بالقضية الوطنية التونسية اما نقابيا فقد انسلخ الاتحاد العام التونسي للشغل عن الجامعة النقابية العالمية الواقعة تحت تاثير الكتلة الشيوعية و انضم في مارس 1951الى الجامعة العالمية للنقابات الحرة الواقعة تحت تاثير الامريكي و شارك فرحات حشاد و الحبيب بورقيبة في مؤتمر الجامعة الامريكية للشغل في سبتمبر 1951 كما نجح الحزب الجديد في تدويل القضية الوطنية بادراجها في جدول اعمال الامم المتحدة في ديسمبر 1952 و كسب متعاطفين داخل فرنسا
__ تبلور المشروع الوطني
اشتمل هذا المشروع على مطلب الاستقلال الذي صار مطلبا جامعا لكل المنظمات الوطنية منذ مؤتمر ليلة القدر و المطالبة بنظام ملكي دستوري يركز على الفصل بين السلط بالاضافة الى الدعوة الى تحديث المجتمع و نشر التعليم و تعصيره و النهوض بالمراة و جعل اللغة العربية اللغة الرسمية في التعليم و الادارة و الحفاظ على الهوية العربية الاسلامية للشعب و التاكيد على البعدين المغاربي و العربي للمشروع الوطني عبر دعم حركات التحرر بها و القضية الفلسطينية و قد برز كل ذلك في كتابات علي البلهوان "نحن امة" " و كذلك كتاب" "تونس الثائرة"
3 اندلاع الثورة و الظفر بالاستقلال
__فشل تجربة الحوار الثانية و سياسة القمع
بادر الحبيب بورقيبة في افريل 1950 بتقديم برنامج معتدل من سبع نقاط يقتصر على المطالبة بالحكم الذاتي و هو ما جعل روبار شومان يعلن عن رغبة فرنسا في السير بالبلاد التونسية نحو الاستقلال ثم تراجع و اعلن انه يقصد الحكم الذاتي
فتشكلت حكومة محمد شنيق التفاوضية في اوت 1950 و التي ضمت صالح بن يوسف و محمود الماطري و توصلت الى تحقيق بعض الاصلاحات لكن تحت ضغط المتفوقين تخلت فرنسا عن هذا المسار فبعثت الحكومة التونسية مذكرة 31 اكتوبر 1951 الى الحكومة الفرنسية لتذكيرها بتعهداتها و تمسكها بالحكم الذاتي فردت فرنسا بمذكرة 15 سبتمبر 1951 تقر فيها بالسيادة المزدوجة على تونس فاعلنت المنظمات الوطنية اضرابا عاما لمدة ثلاثة ايام ( 21 22 23 ديسمبر 1951 ) كما تم تقديم شكوى الى الامم المتحدة يوم 14 جانفي 1952 و قام الحزب الدستوري بعقد مؤتمر استثنائي سري يوم 18 جانفي 1952 و الذي اعلن فيه مطلب الاستقلال و الثورة فردت فرنسا بتعيين مقيم عام جديد جون دي هوت كلوك الذي قام باعتقال عديد الوطنيين و ابعاد بورقيبة و المنجي سليم الى طبرقة و اعضاء حكومة شنيق الى قبلي في مارس 1952 و تنظيم عمليات انتقامية لترويع الاهالي و اغتيال فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952و الهادي شاكر 13 سبتمبر 1953 عن طريق اليد الحمراء
__المقاومة المسلحة
ادت سياسة القمع الفرنسي الى اندلاع المقامة المسلحة في ربيع 1952 ضمن حوالي 3000 مقاوم خاضت ضدة معارك ضد المحتل من اهمها معركة جبل اشكل ماي 1953 و جبل عرباطة جويلية 1954 و من ابرز قادتها الطاهر الاسود الازهر الشرايطي و قد ساهم هذا الضغط في دفع فرنسا الى تعيين مقيم عام جديد بيار فوازار سبتمبر 1953 الذي اطلق سراح بعض المعتقلين و قام باصلاحات شكلية رفضها الوطنيون
__الظفر بالاسقلال
مع مصاعب فرنسا مع بقية مستعمراتها حل رئيس الحكومة الفرنسية منداس فرانس بتونس يوم 31 جويلية 1954 ليعلن امام الباي عن استعداد بلاده منح تونس استقلالها الداخلي
فتشكلت لهذا الغرض حكومة الطاهر بن عمار التفاوضية في اوت 1954 و التي جردت المقاومة من السلاح بطلب من فرنسا مقابل الامان في نوفمبر 1954 و توجت المفاوضات بتوقيع اتفاقيات الحكم الذاتي يوم 3جوان 1955 و التي عارضها صالح بن يوسف و اعتبرها خطوة الى الوراء و دعا الى مواصلة المقاومة من اجل الاستقلال و انشق عن الحزب و كون الامانة العامة بينما اعتبر بورقيبة الاتفاقيات خطوة الى الامام تؤدي الى الاستقلال و ايده في ذلك مؤتمر الحزب المنعقد بصفاقس في نوفمبر 1955 فاقدمت حكومة الطاهر بن عمار على اعتقال انصار صالح بن يوسف في جانفي 1956 لوضع حد للصراع البورقيبي اليوسفي فغادر بن يوسف البلاد نحو مصر و مع تصاعد الثورة الجزائرية و حصول المغرب على استقلاله و عودة الاشتراكيين من جديد الى الحكم بفرنسا طالب بورقيبة بفتح مفاوضات جديدة توجت بامضاء بروتوكول الاستقلال النام يوم 20 مارس 1956
خاتمة
كان الاستقلال ثمرة كفاح اجيال من التونسيين و خطوة في اتجاه استكمال السيادة الوطنية و بناء مؤسسات عصرية

تعليقات
إرسال تعليق